كاظم السّاهر يَخْسَرُ جمهورَه

ليس جديدا أن يعبّر مُعجَبُو فنان مُعين عن إعجابهم به، وبشتَّى الألوانِ التعبيرية. لكنَّ الجديدَ أنْ يتمَّ العكسُ. ولعلَّ شدَّةَ الإعجابِ والخوفِ على نجومية فنانهم الأوّل، هي ما تدْعُوهُم إلى انتقادِه، وأحيانا بِشِدَّةٍ. تعود أسباب هذه الظاهرة، النفسيةِ في مرجعيتها، إلى إحساسِ المحِبِّينَ بنوعٍ من الإقصاءِ والتهميش من طرف فنانِّهم الذي يَفْدُونَه بالغالي والنفيس، ويتتبَّعونَ جزئيات أعماله، بشغفٍ.
هذه الأشياءُ، مجتمعةً، هي ما وقعتْ، وتَقَع حالياً، بين الفنان كاظم الساهر ومُحِبِّيه. بعدَ سنوات النجاح الماضية، وأيضا الحالية، أصبحتِ السِّيَاسَة الإعلامية الفاشلةُ لمديريّ أعمالِه في البُروز. مما أدَّى إلى انتقال النَّقد الموجَّه إلى كاظم الساهر، من نقد الصِّحافيينَ إلى نقدِ المُعْجبينَ. وأَلَّبَ على كاظم الأقلامَ. شيءٌ يستدعي منَ الجميعَ الوُقوف على أسبابِ هذه الحالة وأعراضِها.
كثيرا ما أدَّت بعضُ تصرُّفات كاظم الساهر مع بعضِ مُحِبِّيه إلى هُجرانِهم لهُ، ولِفَنِّه. وقعَ هذا في عدة بلدان. حِينَما يَكِدُّ المُعْجبُونَ في الحُصُول على تذاكرِ حفلٍ للساهر، ويقطعونَ آلاف الكيلومترات داخل نفسِ البلد، أو بالانتقالِ من بلدٍ لآخر، بهدفِ الحضُور والجلوسِ إليهِ لخمسِ دقائقَ، يفاجأُونَ بتجاهُلِهِ لَهُم، بل بعدم الاكتراثِ بهم. وعندمَا يلجأونَ إلى مدِير أعماله يبْدأُ في المراوغةِ. ويصبح المعجَبُون، وكأنَّهُم عنصرٌ غيرُ مرغوبٍ فيهِ بتاتا. زِدْ على ذلك تمييزُ كاظم بينَ جمهورِه، فمنَ الجُمهورِ من يحظى بلقائِه، وقدْ يُدخِله المنزلَ، ويدْنِيهِ منهُ بشدَّة، وهناكَ من لاَ يعيره أيَّ اهتمامٍ. لاَ يطْلبُ المعْجَبُونَ في أقصَى الحالاتِ، سوى إلقاءِ التَّحيةِ، وتقديمِ هدِيَّةٍ إليهِ. بَدَأُوا، الآنَ، وشيئا فشيئا، يُخَلِّصُونَ أَنْفَسَهُمْ من هذهِ الأمَانِي الزَّائِفَةِ.
سَأَعْرِضُ، هاهُنا، لِمَا قالهُ كاظم في جلْستِه الخَلِيجِيَّة التي جمعتْهُ بالفنَّانِ محمَّد عبدُه، عن سُخطِه واستصْغارِه منْ ينشئُ المنتدياتِ للتَّداوُل والتَّحاورِ في أعمَالِه. من هذه المُنتدياتِ من له أحدَ عشرَ سنةً، وأنشأهُ أناسٌ ذَوُو ثقافةٍ عالية، ويُكِنُّونَ محبّة كبيرةً للسَّاهر… تلكَ المنتدياتُ التي يَتَحَلَّقُ حولها ملايين المُعجبينَ، لسماع أغانيهِ، ومشاهدةِ كليباتهِ، وصُوَرِه، والتَّعَب في معرِفة أخباره، في غيابِ بياناتِ مديرهِ الإعلاَمي حسن عبد الله. فكيفَ يتكلَّم كاظم بهذه اللهجة الشَّديدةِ، ويُهاجِم مُعجبيهِ؟ سيقول بأنه يخاف عليهم من ضياع وقتهم؟ حَسَناً. لكِنَّ منَ الجُمهورِ منْ يَجِدُ لذَّتَهُ في إِنشاءِ المُنتديات وتَتَبُّع أخبار كاظِم.
تُثْبِتُ هذهِ الأحداثُ أنَّ كاظماً يفتقدُ ثقافةَ التَّعَامل معَ جُمهورِه بمحَبَّةٍ واحترامٍ. كانتْ سابِقاً، والآنَ افتقدَها، وتَشَوَّقْنا، نحنُ، إليْها.
أشْيَاء تحزُّ في النَّفْس، وتجعلُها مُنكَسرَةً. نعمْ أحببنَا موسيقى كاظمٍ وفنَّهُ، فنانٌ كبيرٌ بصَمَ تاريخَ الموسيقى العالميةِ بأروَعِ الألحانِ وأصْعَبِها. لكنْ ليسَ أنْ يُصْبِحَ الإقصاءُ والتَّهميشُ منْ نصيبِنا. منْ واجبِ الفَنَّانِ على جمهورهِ أنْ يُسَانِدوهُ، وَيَقِفوا إلى جانبِهِ في وقتِ الأزَمَات، كمَا منْ واجبهِم عليهِ أنْ يأخذَ رَأْيَهُم في كلِّ صَغيرةٍ وكبيرةٍ يُقْدِمُ عليهَا؛ لاَ أنْ يُقَدِّمَ أعْمالاً دونَ المُسْتَوى وَيَقُولُ إِنَّ الجُمْهُورَ هوَ من طلبَ ذلكَ. صَرَاحةً نحنُ بريئونَ منْ أمْثالِ هذَا الجُمْهورِ (السَّلبي) لأنَّ فنَّهُ بمجرَّدِ أنْ يصدُرَ لاَ يُصْبِحُ مِلْكاً لهُ بلْ للجميعِ. ثمَّ منْ واجِبِهِمْ عليهِ أنْ يعاملَهُم معامَلةً تليقُ بهمْ. لاَ أنْ يتهرَّبَ، ويتحَجَّجَ في كلِّ مرَّةٍ بالتَّعَبِ، وبكثرةِ الانشِغَالِ. لأنَّ هذا الجُمْهُورَ قدْ يكونُ أكثرَ انشِغَالاً منهُ، لكنْ يُضَحِّي بثمينِ وقتِه لأجلِ التَّحدُّثِ إليهِ، والحضورِ لحفلاَتِه…
هَكَذا يجبُ أنْ تكونَ العلاَقَةُ بينَ الفَنَّانِ، وَمُحِبِّيهِ. علاقةُ تفاعُل، لا مسافةٍ. فَهَذَا الجمهورُ مهماً كانَ نوعُهُ، فهْوَ الذي صنَعَ فناناً بحجمِ كاظمِ الساهرِ اليومِ. أ وَ ليس هوَ القائلَ: لأنِّي أحِبُّكُمْ أغَنِّي؟ يجبُ أنْ نرَى مَعْنَى هذهِ العِبَارَة علَى أرضِ الواقعِ. لا أنْ نفخرَ ونتباهَى بِسَمَاعِها فِي كلِّ حينٍ.
إنَّ المُؤْسفَ، هنَا، هوَ لا مُبالاةُ بعضِ المحِبِّينَ بهذه الأمورِ، وقَبُولُهم لكلِّ شيءٍ يفعلُهُ كاظِم، ويُقَدِّمُهُ. ليستْ لنَا ثقافةُ الحوارِ، والنِّقاشِ، والنَّقْدِ البنَّاءِ. جمهورٌ استهلاكِيٌ بامتيازٍ.
علينَا، نحنُ الجمهورَ، أنْ نعيدَ نظرَنا في الأشياءِ، وأنْ نُغَيِّرَ أماكنَ الرؤيةِ إليهَا. حتَّى نرتَقِيَ بأنفُسِنا، وبِفَنِّ كاظم، لا أنْ نبقَى مُستقبلينَ سلْبِيِّينَ. هذا إنْ كانَ كاظمٌ فعلاً في حاجةٍ إلى رأيِ كلِّ محبٍّ. أمَّا إنْ استمرَّ على نفسِ المنوالِ، فلنَا أنْ ننتظرَ نهايتَه، طالَ الزَّمَنُ أوْ قصُر